توقيف النزيف

قال وزير العدل حافظ الأختام أنه تم الإيعاز للنيابة العامة بالتحرّك في حالات نهب العقار الفلاحي، لكنه دعا بالمقابل إلى تحرك بقية الجهات قبل وقوع فعل النهب والأفعال التي تقع بعده، ليكون القضاء الجدار الأخير لحماية الأرض من المعتدين.
وإذا كانت الكثير من المؤسسات معنية بالتدخل القبلي، أي قبل إقامة مشاريع على الأراضي فإن مسؤولية كبيرة تقع، أيضا، على عاتق تنظيمات مدنية وحتى المواطنين، إذ لا يعقل أن يصمت الفلاحون المهيكلون في اتحادهم وغير المهيكلين على حالات التعدي على مصدر قوت الجزائريين، ويكتفون بالمطالب التي لها علاقة مباشرة بوضعياتهم الخاصة، كمسح الديون والتعويضات عن الكوارث الطبيعية، لأن الاعتداء على الأرض اعتداء على مهنتهم، ورفضه من شأنه  أن يحول دون تقليص المساحات الزراعية في بلد يتفق فيه الجميع على أن الخلاص في الفلاحة، لكن تبقى معاملة القطاع دون ما يستحقه الخلاص.
و إذا كان المساس بالأراضي الزراعية في بعض الأحيان يحمل عنوان المنفعة العامة، فإن قواميسنا مدعوة إلى التدقيق في المنفعة العامة لأن المصطلح يُفسر عكس مقاصده في الكثير من الأحيان، حتى تكون هذه الحالات استثنائية وليس قاعدة عامة، للحد من زحف الاسمنت الذي غيّر الطبيعة الفلاحية لبعض المناطق التي حوّلت إلى مدن تحت الضغط الديموغرافي وتخلت عن نشاطها الفلاحي لحساب ما “يتطلبه” العمران من نشاط تجاري فوضوي في الغالب، لا يقدم أي مدخول  للخزينة العمومية ولا يلبي حاجة السكان بطريقة شرعية ومأمونة.
و ليس خافيا أن وضع اليد على العقار تحوّل إلى رياضة يمارسها المتربحون الجدد الذين لا يرون في الأرض سوى أصفار تزيد في أرصدتهم مع الوقت، ولا يرون في كل ما هو عمومي سوى غنيمة.
و إذا كانت القرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا باسترجاع مزارع نموذجية ومراجعة وضعية العقار الصناعي قد تركت ارتياحا لدى الرأي العام الذي تجاوب معها بشكل غير مسبوق، فإنها أحيت الآمال أيضا في توجهات سليمة تلعب فيها الدولة دور الضابط والقيّم على ممتلكات المجموعة الوطنية، بعد أن فهم كثيرون الانفتاح وتمكين الخواص من النشاط في قطاعات استراتيجية  وتسهيل حصولهم على قروض على أنه فرصة للحصول على أراض وأموال تتحوّل إلى رأسمال في يد صاحبها الذي لن يفلح الأرض ولن يقيم المصانع ولن يفكر في إعادة القروض، وقد يتحوّل إلى مضارب بأراضي الدولة.
وقد يحيي توجه الحكومة الجديدة نحو تصحيح الإختلالات، الحس المدني لدى المواطنين الجزائريين ليتفاعلوا إيجابيا مع حالات النهب والاعتداء على العقار والطبيعة والمصلحة العامة، وينهضوا من “استقالتهم” من التعاطي مع القضايا العامة، ما يمكن من تعزيز جبهة مكافحة الفساد و ترميم  الجسور مع الدولة التي اهتدت إلى قرارات «شعبية» وذات منفعة في آن، وبالمقابل كبح جماح الطامعين في ثروات الجزائريين و ضبط شراهتهم وإخافة المسؤولين والأعوان العموميين الذين يدركون أنهم لن يستفيدوا من أية حماية أو تغطية إذا قدموا “خدمات” خارج القانون.
النصر